الثلاثاء، 19 أغسطس 2014

مذكرة متشرد (9)

كتبتُ الكثير ....ودوّنتُ الكثير من ألوان السبّ والشتْم الذي تعرضتُ له من أمثال ذلك الجسد الذي صفعني بالماء وأنا أمارس حقي الطبيعي في النوم تحت تلك الشجرة ....
كتبتُ في مذكرتي الشخصية أنّ تعريف البشر....... أجساد بلا روح ....خُشب غبية تتحرك وفق ما تُمْليه لها شهواتها ...عرّتها نسمات الصباح من الأخلاق والمبادئ وأضحى الكل عندها مجرد دمى .....
هل نحن كراكيز يتحكمون في ساعات أكلنا ونومنا وحتى لحظات فرحنا وحزننا .......؟
شتمتُ كثيرا ...واكتفيتُ بالصّمت لأن وجهي وصفحتي وبطاقة تعريفي مشوّهة ولا توافق المعايير البشرية .......ولن يسمع أحد شكوايا الأبدية..... انتهيت وانتهى بي الحال الى الارتكان الى منديلي..... ألتهم لفحات خبيثة كريهة لكنها تريحني من كل المواجيع.....
كنت أطو الشارع طيات غبية بخُطايا الأثقل......وهكذا مضيت أنتقل من ثقل للأثقل ....مارا بشارع يطل على الشارع الذي احتضني فيه ذات يوم الحاج محجوب.............
ياااااااااه..........، فجأة استيقظت ذاكرتي واستيقظت عاطفتي وهاأنذا أتجه الى المقهى الذي انتشلني من التشرد وأعادني الى التشرد في ظرف وجيز.....ذلك المقهى الذي فتحتُ فيه قلبي ووضعته على طاولة نجلس حولها أنا والحاج محجوب .......
كان قلبي ممتلئ بالاسرار ....وكانت وجهي ممتلئ بالجراح والمواجيع ، وكنت على أمل أن ألتقي بالحاج محجوب .....، سأبكي قربه وأحكي الحقيقة دون كذب .............تعبتُ مني ، من حياتي ، من الذل والاهانة التي أتعرض لها يوما بعد يوم ......
الحاج محجوب صاحب القلب الكبير ، أكيد أنه سيتفهّم وضعيتي ....هو ما خذلني يوم لجأت له .....ما أدار عني وجهه ولا تركني ألتهم وجبات الحزن وحدي بل واساني نعم واساني ...ربما سيقبل اعتذاري ان أنا شرحت له الأمر ، ان أنا صرّحت له أنني ما عشت ولا كنتُ لأكذب عليه أو لأنصب عليه ، انما كانت نيتي صافية نقية جدا ، وكنت فعلا وقولا أريد أن أنتهي من حياة المتشردين.........
وأنا أمضي في طريقي ...أُحدّث نفسي ...أُمنّيها بصفح الحاج محجوب عني ، وبقبوله اعتذاري مرّت بجانبي كوكبة من الناس يحملون على أكثافهم جثة الحاج محجوب......
"من مذكرة متشرد"


مذكرة متشرد(8)

لو ابتعدنا عن المنطق المجتمعي قليلا ....قليلا جدا ، لوجدتُني الان في صفوف الأشخاص العاديين ، أعمل عملا متواضعا ، وأرتدي المقهى ليلا أتناول مواضيع ساخرة مع بعض الاشخاص ، ربما تجرأنا على نهش لحوم البعض غيبةً ، وربماا استهزنا من الأوضاع السياسية وتابعنا نشرات الأخبار بنهم ونحن نفترس صورا متناقضة للعالم العربي ....كنت سأفعل وأنا أرتشف قطرات سوداء.... مُرة أدري لكن رائحتها تفتح الشهية للكتابة والنقاش حول مباريات كرة القدمل لأنها برازيلية المنبت ...كنت سأشرب القهوة...
شتان بين كنتُ ...وأنا ....كلاهما يشير اليّ عن سبق اصرار وترصد ،لكنهما يختزنان تناقضا غريبا ، غبيا .....بناه المجتمع الذي أهملني لأنني متشرد ....وأهملني أيضا لأنني كنت متشردا ....خلاصة القول ......نظرة لا تعرف معنى الصرف في اللغة العربية ولا الاجنبية لا يعرفون أن الفعل الماضي ، الزمن الماضي يستقل تماما عن الحاضر ،ولا توجد بينهما استمرارية في اللغة ....اعتباطا ومن أجل التسلية فقط نقبل بعض الافعال التي تسهّل لنا التعبير عن الاستمرارية ان كانت هناك أصلا ، والا.......فالأصل أن ما بين الزمن الماضي والحاضر فراغ.....
عُدت من حيث أتيت ......مجدّدا أنا متشرد..... أستقبل طعنات أخرى ....هجوما اخر ....سب ، شتم، وألوان مختلفة من الاهانات .....رفيقي منديلي المعطر ومهنتي التنقيب في القمامات بحثا عن فضلات طعام ....أعاشر الكلاب تلك الحيوانات الأليفة جدا ......هي لا تزعجني أبدا ، لا تتحدث ، لا تنطق ولا تشمئزّ من وجهي المشرط.
أحببتُ نعم وكنت شاذا على كل الطقوس البشرية ....كنتُ أحب شجرة خضراء رناقة ، تغطيني ليلا ونهارا تظللني من أشعة الشمس المحرقة ....كانت هي ملاذي وموطني ومستقري بعد كل يوم متعب من التسكع في شوارع المدينة ....لم أكن أعرف ماضيها ولا يهمني ان كانت مرتبطة قبلي أولا ، كنت أومن أن الماضي مزعج أكثر ...لذلك تعمّدت ألا أسأل أحدا عن ماضي تلك الشجرة ...الى ذلك اليوم ،حيث كنت نائما على جذعها واذا برشفة ماء توقظني من سباتي العميق ........
"أنُوضْ أَدَاكْ الشّمْكَارْ مْنْ تمّا يَاكْمَا تْسْحَابْهَا دْيَالْ بّااااااكْ"
"من مذكرة متشرد"


مذكرة متشرد(7)

حيث كنا أنا وصديقي التهامي نشتغل ذات يوم في السوق ....حمال بضائع........ تشاجرنا على زبون لأنه كان ثريا جدا ....استنتجنا ذلك من قيمة الاشياء التي اشتراها في السوق ، وأيضا من المبلغ الذي دفعه لأمثالنا البسطاء .....قدّم للتهامي 200 درهم ، وأخبره أنها أُجرتنا معا ، لكن صديقي طماع للغاية ، أراد أن يبتلع المبلغ وحده ، وهناك استعرضت بطولاتي القومية وعضلاتي الرنانة واذا به يفاجئني بسكين توغّل في خذي الأيسر .....وهكذا استلقى على وجهي أول عار........
علمتُ باحساسي البريء أن الحاج محجوب لن يصدّق قصص جرورحي على الأقل في تلك اللحظة التي وشوش فيها با المعطي في أذنه .....ربما عزة نفسي هي التي جعلتني أنسحب من المقهى كالبائس المسكين أو كالمجرم الذي أكتشف الناس جريمته فخاف من الضجة ......بل كالنصاب
اهـــــــــــــــــــــانة هي التي أعيشها الان في زمرة الوحدة القاتلة ، وفي خضم اعصار الاحاسيس المختلطة ....أذنبت وذنبي أني واريت جراحي عن أطيب انسان التقيت به ..لم أُرد أن يتمزق حبي في لحظة عابرة، لذالك لمّعت صورتي وأخفيت كل النموش التي يمكنها أن تخدش ناظره......
تبا لتلك الهمسة التي دمّرت حياتي وجعلتني أُغيّر وجهتي الى الأبد......لحظة كنت أفكر في العثور على بصيص أمل يعيد الي رمق العيشة الهنية، وجدتني الأن أدخل أوّل حانة ليلية أصادفها في طريقي وأنا عائد من المقهى ....لأنسى تهمتي الغبية وأنا أرتشف سما سيقتلني ببطئ.
"من مذكرة متشرد
 


مذكرة متشرد(6)

وحدها البدايات من تجعلك تصدق أنك بطل رواية ......أكره البدايات التي توهمني أنني أمير الظلام وحارس الليل وسيد المنطقة ....
قديما كرهت بداياتي والشارع.... أوهمتني أن الشارع جنة المظلومين .. كان أصدقائي المتشردين يرحمون براءتي ويُشفقون على حالي وأنا أموت من الجوع كانوايختطفون اللقمة من أفواه الكلاب والقطط ...كنت ساذجا أنظر الى حداقتهم وبسالتهم بنظرة اعجاب كأنهم يصنعون المستحيل .....هم المسؤولون عن حياتهم ...أنا لا
في البداية ظل صديقي التهامي يحتضنني ويسرق الحلويات من أجلي ...يُطعمني ويجوع هو ...وما ان اطمئن على توغلي في عالم التشرد حتى تملّص مني وتركني أرتدي أسبال خيبتي وحدي.
وحدها البدايات تلك اللحظات الوهمية المخادعة الكذابة التي تنافقك فتقول لك الكثيير حتى تنشد الصمت ولا تجد ...تعلم أن صمت البدايات هو الحقيقة ......أن كلامها محض أباطيل وهْم وسراب........
أحببت بداياتي في عالم المتشردين وكرهت بداياتي في عالم العقلاء لأنني فطنت الدرس قلب أن أدخل اليه.
ظل الحاج محجوب يوهمني ، أن صديقه المعطي هو الاب الحنون و الأمين لي ....رغم عنادي والحاحه في التعرف على صديقه........... كان سر التشرد محجوبا عن الحاج محجوب ........
الجمعة مساء أو صباحا لا يهم ، وأنا أرمي حثتي على كرسي بمقهى الحي بجانب الحاج محجوب وهو يرتشف قهوته وأنا كنت أدخن ماضي بنهم ....يـــــــاه اشتقت الى حياة المتشردين ، بائسة أدري ، خبيثة أدري وأعلم كذلك أنها بسيطة لا تحتاج مني أن أواري جراحي عن الأنظار .....
شارد الذهن كعادتي ...واذا بالحاج محجوب يتتبع رائحة بأنفه ، وهو يصيح بأعلى صوته في المقهى :
الحاج المعطي ، تعالى أنا هنا وبجانبي الفتى الطيب الذي حدثتك عنه
"من مذكرة متشرد"

الاثنين، 11 أغسطس 2014

مذكرة متشرد(5)

كنت قادرا على تغيير اعتقاداتي ...كنت قادرا على الانفطام من منديل الدوليو ، لكن المجتمع لا يعرف ذلك ..ما العمل ان كانت لدي سوابق قضائية ، أمنية ، جرائمية وأيضا مجتمعية....
همي الوحيد هو أن أمسح كل النموش على وجهي .....الوجه صفحة مقروء تحت سطورها من قبل قراء مبتدئين ومحترفين ،وحدهم الطيبون من يغظون الطرف عن قراءة الأوجه ...
سبعة جروح ملقاة على وجهي ،أهمها كان مستلق على خذ الأيسر وأصغرها كاد يسترق نظرة الى عيني من أعلى حاجبي ، عن الجروح الأخرى فهي موزعة بعشوائية السكين الذي شتمت صاحبه ذات يوم...
أنا الأن لست متشرد ....أقسم برب السماء أنني انتهيت من كل البلايا والبليات ، ومستعدة أن أطوي كل الصفحات الا صفحة وجهي ، فمسح الجرورح يلزمني أمولا كثيرة جدا....
خمس دراهم تكفيني أن أجلس في مقهى حي شعبي ....تلك التي جنيت بعد يوم كامل من الركض خلف أحذية المارة والعابرين ....
وحده الحاج الطاهر من سمح لي بالجلوس الى طاولته ومشاركته في الحديث ....عن الامي وأحزاني ...عن أحلامي ...عن مضاي ومستقبلي..وكان هو أيضا يحدثني عن نشرات الأخبار ، عن الحرب العالمية الثانية ...عن الجيش الفرنسي ....عن جيش التحرير ...عن الألغام ....عن تلك القنبلة التي فقأت عيناه وتركته بصيرا ....
عزائي الوحيد من كل هذا هو عدم تصفحه لوجهي ، لولا ذلك لما كان أنيسي وصديقي ....هو الوحيد الذي صدّقني وجعلني أصدّق أنني لست متشرد ....
شكوت له عدم قدرتي على الحصول على عمل فأرشدني الى ميكانيكي ...صديقه ...أكّد لي أنه سيعاملني جيدا ...أنه سينتشلني من أنياب الشوارع الى دفئ العائلة والأسرة المهنية ....وهكذا احترت ؟هل أُخبره حقيقة وجهي المشرط؟ هل أقول له أني كنت ذات يوم متشرد؟؟؟؟؟؟

"من مذكرة متشرد"

مذكرة متشرد (4)


اذن؟......سأواري جرحي عن الأنظار وأركب قطار الحياة ككل البشر....هل تمت هناك حقنة واحدة تكفيني لأنسى كل الماضي وأبدأ حياتي كما لو وُلدت أمس؟هل هناك طبيب نفسي يوحي لي أنني لم أقتل ابني ...أنني لم أكن أبا ...أن الكلب الذي يمشي بجانبي الان لن يصبح رفيقي الى الأبد ؟هل من جرعة مخدرات توهمني أن الحياة انتهت من عقداتها المرة وفتحت أبواب السعادة لأمثالي المتشردين....
متشرد عن جدارة واستحقاق .....أكره التشرد لكن ما باليد حيلة ....أنياب الشارع لا تتركني وسبيلي ....
كلب ....ذلك الرفيق المتناقض الذي يرضى بالقليل أو اللاشيء ليعطني الحماية والأمان ...يركض خلفي وكلما تهت عن الطريق وجّهني ...كنت أفكر في اهدائه منديلي القذر ،لكنه لن يعرف سره ولن يؤمن لفكرة قدرة رائحة كريهة على اعلائك من غياهب الحفر الى أعالي الجبال ......
سبق وأن قررت أن أُخْلص لموت ابني ....أن أترك التشرد جانبا وأبحث عن من يعلمني الرسم ...أن ارسم قذارة حياتي وحياة كل من الْتهمه الشارع ذات يوم ....

على منضدة الرصيف الأسمر افترشت أسبال ثيابي.........وضعت المنديل جانبا وبدأت أخاطبه مودعا......
لعلك تعلم مكانتك في قلبي .....تعرف أن الحياة دونك نار أشعلتها ظروف العيش والزمان والمكان .....كنت معك أقبل كل ألوان الاهانات ...أركب القذارة أينما حللتُ وارتحلتْ ...أكُل طعامي من سلة المهملات(البركاصة) والرائحة النتنة تكمم وجهي المتسخ ....كنت معك أدخن بقايا السجائر المبعثرة ....أركض خلف الناس لأتسول درهما لا يغنيني عن التهام فضلات أكل المقاهي .....أجاري القطط والكلاب خلف الشوارع .....وأفترش الرصيف ليلا ...أتشاجر مع الكل .....تركض الشرطة خلفي .........أُضرب ضربا مبرحا ........تعنفني زوجة سي محجوب حين تشم رائحة الدوليو في الدرب ، فتسكب من أعلى السطح ماء التنظيف لأندثر من عتبة باب دارها .......
أنا لا أدري لمَ عليّ أن أتركك أيها المنذيل القذر .......أنا لا أعرف شيئا سوى أني افتقدت ابني الذي أوْرثني حلم الرسم
وداعا منذيل الدوليو
"من مذكرة متشرد"

مذكرة متشرد(3)

حديث المساء بدأ يستعرض ايقاعاته المتعددة .....كنت مجبرا أن أبقى مستيقظا طول النهار .....لم أسكر .........لأنني أريد أن أعلم لابني قواعد التشرد .......
في تلك الزاوية من ذلك المبنى الغريب .ارتكن الى جانبي وهو يحدثني عما أسماه بعالم الأوهام ، عن أحلام أو شيء من المستحيل ....لا بل عن المستحيل كله .....كان يحدثني عن هوايته المفضلة التي لم أعرف بها الا اليوم ......الرسم
ذاك الذي يجعل أحلامك مجسدة على أرض الواقع ، هو السبيل الوحيد والصامت الذي يمكّنك من نشر أفكارك على لوحات متعددة بتعابيرك أنت وأحاسيسك أنت دون أن تشعر .....هو معرض اللحظات الوهمية التي صنعتنا ذات يوم فأعدنا تشكيلها لنصنعها على هوانا نحن.......
دسست في جيبي منديلين مشبعين بقطرات الدوليو ، الأولى له ، وسألتحق به الى عالم السكارى بعد أن أطمئن الى ولوجه السليم لحياة المتشردين........
حدثني ببراءة طفل يعشق الحياة ، حدثني بلغة الألوان والصباغة التي نشكلها كما نريد فترسم أحلامنا هي كما تريد.
حدثني ....عني ، عن أحلامي ، عن ألواني ، عن طيفي ، عن ماضي ومستقبلي .....أراد أن يعلمني أصول وقواعد الرسم ......كان يريد أن ينتشلني من القهر .....كنت أريد أن أجرفه نحو القعر.....
جلسنا معا .....تحت رحمة المطر .....البرد ....على رفاث مبنى غريق ، جلسنا نتبادل نظرات عميقة جدا ، كنت أحاول أن أُقنعه أن الحياة لا تستحق وعينا ......أقنعني أن الرسم هو أرقى وسيلة لتجسيد أحلامنا .....أن الألوان توصل كل التعابير التي تهدر وقتنا وتدفق أحلامنا وأحاسيسنا .....
حين استعصى علي الأمر ، وجدتني أحاول أن أستجدي شفقته بدموع ساخنة توهمه أن حياتي كانت ولاتزال صعبة ....في حين انتهز هو الفرصة ليقنعني أنني أمتلك مشاعر جياشة وأن عالم التشرد يصنع مشروع رسام ......مشروع شاعر .....وكاتب
من "مذكرة متشرد"

مذكرة متشرد (2)

لم يكن صباحي حديث العهد بالولادة......أجهضتْه الحياة في الأشهر الأولى من الحمل....لكنه بات متمسكا بها رغم عمره القصير .....وعيني لا تغفل عن مراقبة ابني الجديد.....أخاف أن تتمرد عليه زفرات السماء ...فراغ الشارع لم يعد يشعرني بالأمان كما الماضي....مشاعر أبوتي لا تسمح لي أن أترك البرد يلسع جسده الصغير ، والايثار الذي لم يكن منهجي ذات نهار بات يحثني أن أُفرش قطعة صغيرة من الرصيف ورقا مقوى سريرا لصغيري وأغطيه بطرف اخر ، لألتحف أنا السماء وأرقد على جنبات صخر بارد في يوم غضبت فيه الطبيعة على أمثالي ، فنزفت أنف الغيمات ثلجا ..........
مستقبل ابني هذا يهمني ، لا أريده أن يكون مثلي أنا.......متشرد في حضن القمامات وكمامات مناديل الدوليو.......سأفعل المستحيل لأراه ناجحا في الحياة ....أن يكون ابن مدارس ...يرتدي ملابس أنيقة ، وتسريحة شعر رائعة .....سأحقق به وفيه كل أمنياتي الماضية .....
صرخة غلاء الأسعار أيقظتني ذات يوم وأنا أتجول في السوق بحثا عن سروال صغير ، وعواء ابني الذي لا تنتهي طلباته صفعني..... هو يريد الغذاء والعشاء والفطور أيضا ..... يريد أن يعيش ....أريده أن يكون........
كنت أكبث رغبتي في تخدير عقله بالسيليسيون .....مدة شهر ، وأنا أعاني معه أحاسيس مختلفة ، رغبتي في جعله ابن مدارس باتت تتثاءب........منعتني مشاعر الأبوة من السرقة .......كانت هي الحل الوحيد لتلبية طلباته .....بعدها سجن ....أتركه لعبة في أيادي المتشردين .......لا لن أسرق أبدا
اليوم كان صباحي كسول جدا ، ودخلت أحلامي في سبات عميق ، وصراخ ابني ليلا أزعجني ، فاستيقظت عازما أن أعلمه أصول وقواعد حياة المشردين ........هو المنديل الذي ينهي كل مواجيعي ويسكت صراخه الى الأبد .......هو الدوليو الذي يحملنا من حثالة المجتمع الى أعالي السماوات ........هو تلك القطعة القذرة التي لم أتمناها أن تكون خليلتي ذات يوم ....سأورثها لابني اليوم......
من "مذكرة متشرد"

مذكرة متشرد(1)


لابد وأن أُنهي الشارع هذا اليوم ،طبعا مارا على قدمي وبخطوات متتاقلة جدا، لأنني ثملنا من كؤووووس الحياة....
نستنشق كما يفعل البشر لكننا نستنشق هواء معطرا برائحة تشل وعينا بالمحيط ، بالواقع وبالوهم أيضا ....ثملنا من كثرة الانتظار فقررنا ألا ننتظر بعد ذلك ، لأن الرأي الصائب هو السكر .......لنقتل الحياة .....
المجتمع الذي تقيأنا ذات يوم لرذيلة ارتكبها أحدهم على غفلة منه ، يتنكر لنا الان .....سيستعرض المسؤولون كل يوم على شاشة التلفاز فحولتهم الذكورية وعضلات أصواتهم الرجولية ، وأنهم فعلوا من أجلنا الكثير ، أنشأوا وصوّبوا وقدموا وأخروا ،كل يوم نفس الكلام ....لدرجة أنني استنتجت رغم غبائي الكثير أن كلامهم ووعودهم مملة جدا...............
ذات يوم وأنا أتجول في أزقة المدينة بحثا عن ماجادت به علينا القمامات من فضلات طعام ..لمحت فتى صغير جدا ، حينها كنت على وشك استنشاق نفحات الصباح لكي أعيد لدماغي سباته العميق ، هو لا يحتمل أن يراني أُعرض لألوان الطيف من الأهانات ، ولكي أسلم من توبيخاته وتألماته أُدخله في كومة بعد كل رشفة أنفية من المنديل المعلوم .....المهم ماذا كنت أقول .......اااااااااااااه تذكرت أنه ذات يوم لمحت طفلا بريئا صغيرا جدا ، هيأته تدل على أنه ان عائلة محترمة لكن الشارع التهمه مثلنا ، لست أدري لم غاب عني الشر في تلك اللحظة؟ لم فجأة استيقظت عندي معاني الأبوة التي لم أعشها كما البنوة أيضا ..........
ركضت نحوه ، كان الكل سكارى من شدة الجوع وتأثير المنديل ، كنت أنا الجائع الذي يبحث عن الحياة بين أنقاض الموت ...........
أنا لا أريد أن يتعاطف معي أهله أبدا ، ولا أريد أن أستغله لأدخل عالم الثراء، أعرف تماما أنه ابن عائلة ثرية ظل عن أهله وسط زحام أزقة المدينة القديمة ........لن أستجدي الشرطة فتسجل لي في ملفي الأسود خدمة أسديتها لمجتمع ربما أنتفع بها ذات يوم وأنسل من جرائمي المتعددة ، لم تكن تلك نيتي أبدا ، لأنني شرير حتى في فعل الخير .
كنت أريد أن أجرب معنى الأبوة ، أريد أن أتبناه ويصبح ابني وأكون أنا المسؤول عنه ، جربت جميع الرذائل ، وفي هاته اللحظة لا يخطر ببالي الا أن أكون أبا وانتهى الأمر ، وهكذا بدأت قصتي أنا وابني هاهنا

"من مذكرة متشرد"

غباوة الأحلام

اذن هي بشرى غير متوقعة في يوم عصيب تكاد تهطل فيه السماء غضبا على الجور الذي تقمصه بنو البشر.
الحياة جناح بعوضة ..... بل أقل ، حتى أنها تشعرني أحيانا أنها أصغر من أن أهدر وقتي في تأملها ، لا هي تعطي ولا تتركني مرتاحة البال ، ولو قلت استسلمت وسلمت ولن أراهن تحديا مع الحياة .....
ذات يوم أعلنتها استسلاما ، نعم لن أتمنى ولن أطلب أي شيء من الحياة،ربما قمت بواجباتي اليومية ، العملية والثقافية ، الاجتماعية ، أيضا ، اممارس هواياتي السياحية في نهاية كل أسبوع .....في ذلك اليوم أغلقت زر طموحي وفتحت الحاسوب أقوم بجدولة أعمالي أو لنقل أقوم بواجبي العملي ..........فجأة دلف الى المكتب بخطواته المتسارعة وقامته الطويلة ، ولباسه المتأنق ، ملامح وجهه لا توحي الا بالاقبال على مشروع جديد أوهكذا تخيلت ، لكن أعرف أن بحار الخيال والواقع في عقلي الصغير لا تفصل بينهما دوامات كما البحار العادية ، يختلط الواقع بالخيال وهكذا دواليك .
اقترب مني وكأنه سيبوح لي بسر خطير لا يريد أن يعرفه أحد غيري ، أو كان يريد أن يختلس نظرة الى شاشة حاسوبي ليوقن أنني أعمل ولا أفتح الفيس بووك كما أفعل الان .
شعور خبيث ، حزين ، سعيد ، بل هو سعيد ، سعيد جدا ، كاد قلبي أن يحلق في السماء بحثا عن الحياة لأقول لها : من أنت؟ولم لعبة الغميضة هاته ، أفكلما قلت أنا هاهنا اختبئت وكلما اختبئت بحتث عني؟ .............
شعور جميل جدا أن يقول لك رب عملك :
-أنه عملك بسرعة كبيرة والتحقي بفريق العمل في غرفة الاجتماعات ، شاركنا في مسابقة عالمية حول انشاء قارة سياحية ....... فالوقت يداهمنا ، نحن على موعد حضور مؤتمر دولي في سنغفورة الشهر القادم، اتمنى أن يكون جواز سفرك جاهزا في أقرب وقت.

عيد وروح جدتي

........وروح جدتي تحضنني ، كنا نبارك العيد للأحياء لكن في هذا العيد بالتحديد لست أدري لم قررت أن أبارك العيد لروح جدتي التي لم تفارق محيطي منذ ثمانية سنوات بعد أن رحلت الى الرفيق الأعلى؟ كنا كعادتنا نتبادل تهاني العيد بعد صلاة الفجر ، وبصوت طفولي كنت أصيح : أبــــــــــــــــــــــــــــي عيد مبارك سعيد ، أمــــــــــــــــــــــــــي عيد مبارك سعيد
.........فجأة كما الموت الذي حل ذات نهار بمنزلها فاجتثها منا روحا طاهرة نقية، قلت في نفسي عيد مبارك يا جدتي......
عبق غريب حل ببيتنا في ذلك العيد ، وتبريكات من السماء نزلت وجدتي لم تكن حاضرة بل كانت ساكنة في قلبي ، أقسمت على نفسي ألا أذكر اسمها تفاديا لاحياء مواجيع ربما خمدت لكنها لم تخمد بعد ، وهكذا على طاولة الفطور قلت : اشتقتك يا جدتي ... فقال لي أبي مواسيا نبارك العيد للأحياء ونسأل الله الرحمة للأموات ............
هل ماتت جدتي ؟ لكنها لم تمت ، هي فارقتني فحسب ، ذات يوم سأكون معها ، ستحكي لي وأحكي لها كيف هي الدنيا بعدها ، في هذا العيد احتضنتنا روحها ، غمرنا عبقها ،بركتها ، وظل العيد جميلا جدا في بيتنا الى حلول المساء فأصريت أن يكون عشاءنا مثل عشاء العيد في بيت جدتي ، تناولنا طابق الكسكس ، وهمست لروحها أن شكرا لك لأنك لبيت دعوتي واحتفلت بالعيد معنا^^

طيف شامي


حينها ركبت الحافلة ككل البشر ، لم تكن لدي أدنى رغبة في التحدث مع أي شخص لأنني كنت أحاكي أمعائي التي خذلتني في يوم لقاء أحبتي وأهلي ، كأنها غارت من انشغالي بالحديث واللقاء والشوق فلم تحد بدا الا وأن تفرض وجودها ،لتجبرني على العناية بها في يوم كنت سأقتص فيه من الثرثرة مع أخواتي ،تبا تبا تبــــــــــــــــــــــــــــــــــــا
هاهي الان بعد أن كنت أكن كل الود لأي شخص كبير في السن ، بعد أن كانت من هواياتي المفضلة التعرف على صديقات في عمر جدتي أو تزيد ،هاهي ذي أمعائي الشريرة والغيورة تسرق مني أجمل لحظات كنت سأقضيها حديثا مطولة يحكي تفاصيلا منحوثة على وجه سيدة عجوز ارتكنت بالكرسي جانبي .
اكتفيت بالقاء السلام والتحية والتعرف الخفيف الظريف ، وعاودت الاتصال بمغص أمعائي ، عيناي تجولان بين الحين والاخر ، هي لا تبحث عن شيء ..........
لمحت من بعيد طيف شامي بأسنان مصطفة بيضاء وشعر شديد السواد.....،كان يصم سجارته بنشوة غريبة كمن يجد في الدخان حلاوة الكباب ، هكذا تابعت المشهد لألتقط صور مختلفة لعزة نفس انسان فرض وجوده في ظل سطوة السائق ، اذن ذلك الطيف الشامي ليس بسائق الحافلة؟ماهي مهنته هاهنا ؟ لباسه أنيق جدا ، بدلة محترمة توحي بأنه صاحب المحطة كلها................
فجأة ارتاد الكل الحافلة وظل هو يترقب راحة الركاب بلهجة مغربية أكاد أجزم أنها رودانية اللكنة .انتهت القصة هاهنا وانتهى المشهد بمقارنة تعامل المسؤولين مع ذلك الشخص الذي فرض وجوده ومع زميله في العمل الذي أُشبع شتما قبيحا طول مدة الرحلة .
طوت الحافلة مسافة ليست باليسيرة ، هممت بالنوم....نمت ، استيقظت ونمت مرة أخرى ، واذا بالطيف الشامي يوقظني بهدوء معلنا عن وصول الحافلة الى ..........
سألني عن حقيبتي فأشرت الى سوادها الملتحف بأناقة توحي أن ذوقي أنثوي الأصل ، أخذها وقال لي دليني على باب البيت؟......................................................................................
هههههههه، على الساعة الخامسةصباحا ......كان أقصى طموحي هو أن تتوقف الحافلة في الحومة التي أقطن بها ، لأن السائق كان غليظ التعامل مع الزبائن ، هاهو ذلك الطيف الشامي يقنعه بالتوقف وعلاوة على ذلك يوصلني الى باب البيت ، يـــــــــــــــــــــــــــــــــا سلام أي شخصية تلك
قال لي بعد أن نزلت من الحافلة ، خذي رقم هاتفي أولا ودس في يدي ورقة أصطفت فيها أرقام مكتوبة بخط واضح
رافقني فارتبكت قليلا .....كثيييرا حين قال لي وأنا أفتح باب البيت : نتي خاصك راجل يكن معاك ..... كما تفعله نقطة الكلوريدريك حين تسقط على الكلس كذلك تفاعلت تلك الكلمة مع عقلي الذي بدأ يسب ويشتم سرا :لم لا يحتاج الرجل الى انثى لترافقه ؟ ألأن أنوثتنا اللطيفة أفسحت المكان وجعلت لعنتكم الذكورية تسطوا على كل شيء حتى على أمننا وسلامتنا ؟ لسان عقلي قال كلام .......لساني ظل يحكي الصمت
بحتث عن مفتاح البيت فلم أجده ، ظننته سيمل مني ومن ارتباكي المفرط لكنه كان أرقى في التعامل فلم يرحل الا حينما فتحت باب البيت