الخميس، 9 أغسطس 2012

القصة المنسية


رمت جثتها على الكرسي وهي تتألم من لسعات عقارب الساعة ، لم تكن مشغولة ، و ليست متبوعة  بواجبات .أبحرت في قاموس كلماتها ، وهي تحاول أن تنسج قصة من خيالها ، تبصم  فيها كل ما يراودها من احساس ضد المجتمع والانوثة التي كبلت كل طموحاتها .
أولا عليها أن تبحث عن  الافكار التي تريد أن توصلها الى القارئ ، وتانيا يجب عليها اختيار أسماء الابطال  والزمن  . شغلت مسألة الزمن فكرها ، فظلت مترددة بين الليل و النهار ، احتارت فيهما لأن كل منهما يحمل جمالية في معناه ، وهو رمز متداول بين أفراد المجتمع . فان اتخذت من الليل زمنا كانت له دلالة الهدوء والسكينة والاسترخاء ونعمة النوم ، وأيضا لذة مطالعة كتاب أو أكثر ، يعني كل تلك الدلالات تصب في نهر الأمل  والحياة والنجاح ، و ان اتخذت من النهار زمنا كانت له دلالة الحياة التي تضب في عروق كل انسان يسعى  للعلم والعمل ، فأشعة شمسه توحي بالدفء والحنان التي تحضن به البيئة من عمّر الارض  ، وضياءه تحمل معنى الأمل .
لكن الخيال لا يعرف معنى  الزمن ، ولا يفرق بين الحقيقة والوهم ، لذلك قررت أن تتخذ زمنا ليس نهارا ولا ليلا ، زمن عابر ككل الازمنة الغابرة ، ربما كان لحضة أو تانية أو جزء من التانية ، وذلك لتفادي  الأمل الذي توحيه كلمتي الليل والنهار  ، لكن هيهات فاللحضة العابرة تحمل اما تحية الصباح ، أو دفء شمس الظهيرة أو توديع شمس الغروب أو أحضان الليل .........تمهلت متسائلة عن معنى الزمن ؟ ماهو الزمن ؟ وما هو الليل والنهار ؟ ولم كل  الكلمات في القواميس الألفبائية تحمل معنى الأمل .
ما معنى الأمل ؟؟؟؟؟؟ سؤال غريب جدا ، أرادت أن تكتشفه  قبل رسم أول حرف من قصتها ، ما معنى الأمل ؟ ولم كل المعاني الكونية تحمل معنى تلك الكلمة الغريبة ؟
 لمّت أشلاء جسدها من على الكرسي وتوجهت الى المطبخ لتستأذن أمها  في الذهاب الى مكتبة عمومية . سبحت في بحر همومها ولم تستيقظ الا أمام رفوف مكتبة المدينة الشعبية ، توجهت الى الموظف الذي يوجد بالمكتبة وطلبت منه جميع الكتب والقواميس التي تفسر معاني الكلمات .
بين أكوام الكتب المبعثرة على الطاولة التي ترتديها ، وهي تبحث بشغف عن معلومتها الضالة ، تناثرت وريقات من قاموس "لسان العرب " ، تفحصتها فاذا بها رسالة من صاحب المكتبة ، كتب فيها " لن تعثري على الأمل في جميع القواميس ، لكن يمكنك أن تجديه ان تصفحت كتاب حياتك ، فلا توجد حياة دون أمل ، ولا يتحقق وجود الانسان الا به ، أنت قرينة الامل ، وكل البشر ، نعم كلنا مقرونين بالأمل فمتى وجدت ادميا وجدت معه الأمل " .
لم تكثرت للرسالة  وما تحويه من معنى  ، ظلت تبحث دون انقطاع في كل القواميس ، انتهى يومها في المكتبة ، وهي تبحث بشغف ، والموظف يراقبها بتمعن .  وحين أراد   اغلاق المكتبةقال لها : " أنصحك أن تتصفحي الشبكة العنكبوتية ، فربما تجدين ضالتك ، أنا أيضا سأبحث معك عن معناها ، ولنلتق غذا في نفس المكان" .
عادت أدراجها الى المنزل وهي مرهقة من شدة البحث ، همست في نفسها " لن أستسلم لو مهما كان، سأتصفح  الشبكة العنكبوتية  وأتحدى هذا الأمل الذي يفرض وجوده في كل معاني الكلمات التي أختارها.
كتبت على المتصفح كوكل كلمة "أمل " فظهرت  لهامجموعة من الصفحات ، الكل يحمل اسم أمل ، فهذه أغنية وذلك اسم جمعية ، وتلك صفحة منتديات عبد الهادي أطويل ، وهكذا قررت أن تترجم الكلمة الى اللغة الفرنسية فالانجليزية ، الالمانية و اليابانية ، كل البحث يصب اما في صور تحمل ورودا جميلة ، أو كلمات أغنية ، أو محاضرة لابراهيم الفقي رحمه الله .
استمرت في بحتها الى ان انجلى الليل عن النهار ، فارتدت ملابسها وتوجهت  الى المكتبة لكي تشتكي للموظف بحثتها العقيم ، استقبلها بابتسامة وقال لها :" أنت أردت أن  تبحثي عن معنى كلمة أمل ، فبدلت جهدا كبيرا من أجل الحصول  على ذلك ، تخيلي أن أحدهم قال لك قبل الشروع في بحثك ، " لن تجدي معنى لتلك الكلمة أبدا " هل ستبحثين عنها ؟ الجواب المنطقي أنك لن تفعلي ذلك ، لكنك فعلت لأنه كان لديك أمل العثور على ضالتك، أرأيت أن الأمل هو الحافز الذي يجعلنا نبدل جهدا كبيرا من أجل الحصول على ما نريده  ؟" .
عادت الى البيت وهي تشكر الامل الذي جعلها تتشبت في الحياة وتقول سأحيا كريمة ان أنا بدلت جهدا كبيرا ، وان استغليت كل الفرص المتاحة لي .
رمت جثها على الكرسي ، و أخذت كتابا تتصفحه بعد أن  نسيت موضوع القصة التي تريد كتابتها 

7 التعليقات:

  1. السلام عليكم ورحمة الله
    بارك الله فيك اختي الهام مبدعة كعادتك
    تدونة رائعة و هي تنسج الكلام عن الأمل الدي يجعل من صاحبة يكد و يجتهد ليصل الى مراده
    نعم الامل الدي يقوي العزيمة و يجعلنا نتشبت بالحلم
    لكن يجب الحدر دائما فطول الامل مع القعود و الخنوع يصبح أدية للنفس مهلك لها
    جميل ما خطت يداك
    دمت طيبة

    ردحذف
  2. ستتوفقين الى كتابة قصتك ذات يوم..

    ردحذف
  3. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
    ما أجمل أن نقرأ قصة تروي حكاية فتاة كانت تحاول كتابة قصة، ورغم أن هذه الاخيرة لم تنجح في ذلك، إلا أن القصة التي تسردها التدوينة كانت ناجحة..
    وأنا أقرأ موضوع القصة تبادر إلى ذهني المنتدى، فابتسمت حينما مررت على عبارة "صفحة منتديات عبد الهادي أطويل" لأنني لم أتوقع ذلك ^_^
    دمت ودام إبداعك ودام الأمل نبراسا يضيء حياتك..

    ردحذف
  4. وعليكم السلام أخي فؤاد ، بوركت ، دائما رأيك في الصميم ، منكم تعلمنا النظر بعيون الأمل ، ولازلنا نتعلم معنى الطموح ، جعلني الله مثلك ، كحامل المسك ، الكل ينتفع منه يا رب ^^

    ردحذف
  5. أخي فريد اليمني ، باذن الله سنحقق كل طموحاتنا ، بتشجيعاتكم ، تستمر الحياة ضد كل التحديات

    ردحذف
  6. وعليكم السلام ، يا أستاذنا المبدع ، عبد الهادي أطويل ، في الحقيقة ترددت كثيرا في كتابة هذا التعليق لأنه مهما استوفت اللغة العربية من حروف وكلمات فلم توفر لي كلمات الشكر التي أقدمها لك تعبيرا عن اعجابي بأفكارك الرائعة جدا .
    يكفيني شرفا أنك زرت مدونتي .

    ردحذف
  7. الأمل هو الذي يجعل للحياة معنى..

    كنت هنا..

    ردحذف