الثلاثاء، 27 مايو 2014

تهمة غبية

وكأن الحياة توقفت مع دقات تلك الطبول ، أو أن الزمن أبى أن يغادر مع عقارب الساعة التي لم تعد تدور ، بلى انها تدور ، لكن دوراتها لم تعد تخيف عالم البشرية . اجتمع الحشد في تلك الساحة  في ذلك اليوم ، والتهب  المكان تصفيقا كما التهب الجو حرارة ، وهناك تعالت الأصوات والصخب ينادي والتعب ينادي والموت ينادي وكل شيء كان ينادي باسم المتهم ،:كأنه كان فريسة طرية يسهل افتراسها أمام كل الملأ ، وكأنها الحقوق وعالم الانسانية تلاشت من كوكبنا ليُحتم عليه البوح بتفاصيل الجريمة أمام كل القضاة والمحامون ، الرجال والنساء والأطفال ، اااااااااااااااااااااااااااخ تبا للحياة التي جعلته يعيش موقفا لم يحدث أن عاشه أحد قبله من بنى البشر .
صمتٌ ، صمتٌ ، صمتٌ ......... دق الجرس معلنا عن افتتاح الجلسة ، هو الان في محكمة المجتمع ، وأمام قاضي الحياة ، يتحدثان و كأنهما يتهامسان  بعيدا عن مسامع كل الحضور ، رغم أنها أصبحت قضية رأي عام .ربما كان يريد منه ذلك القاضي أن يدفع له مبلغا تحت الطاولة فيفرج عنه بحجة لا تسمن ولا تغني من جوع ، أو ربما كان يهدده ويقول له: "مصيرك أصبح بين يدي ، فبيدي أن أزجك في غياهب السجن وبإمكاني أن أقطع رأسك اللحظة".
كنا ننتظر الجواب ولغة جسده كانت لها تفسيرات كثيرة عند ذلك الحشد الكبير ، ايماءات رأسه لا تعني لنا الا أنه قبل بالعرض الذي قدمه له القاضي ، وحين دس رأسه بين كتفيه استنكرنا الأمر ظنا منا أنه استسلم للواقع وأعلنها ضعفا وهونا بعدما كان من أشرس الثوار .
انتهت لغة الجسد وافتتح القاضي الجلسة بلغة الخشب التي حفظها مذ أدى القسم في يوم لا يذكره لا هو ولا الهيئة الحاكمة ، انتهت لغة الجسد التي كانت تحتمل كل التفسيرات الا  الانهزام والاستسلام للواقع ، انتهت لغة الجسد وبدأ الحوار الطويل بين هيأة المحاماة ، الدفاع والمختصين في علوم الكلام ، أما نحن فاكتفينا بالمشاهدة والمتابعة .
بعد الحديث الطويل الذي لا تحتويه قواميس لغة البشر وكأنهم يتحدثون بلغة الجن أو ربما كانوا يحاورون الشيطان ، المهم أن تلك الكلمات لم نفهمها نحن ، انتفض المتهم ،مستأذنا بالكلام ، عنا لم نستغرب فأمثاله لا يعترف بحق غيره في الدفاع عنه سواء كان بريئا أو مدانا وجريمته لا يعرفها الا هو في حالة كان الامر جادا وكانت هناك جريمة فعلا.
"سيدي القاضي ،عرفت عقابي قبل أن أعرف تهمتي ، ففكرت كثيرا وخمنت ، وبكل الدراسات والعلوم التي علموني اياها في مدارسكم وبمنطقكم الذي انتهت صلاحيته منذ العصور الوسطى أنا معاقب بالبطالة ولا يحق لي أن أعمل أو أحصل على وظيفة محترمة في هذا العصر ، وفي هذه الحقبة الزمنية رغم أنني وفي نظري قد استوفيت كل الشروط التي تخول لإنسان كيفما كان أن يحصل على وظيفة تخول له العيش بكرامة ، وتهمتي يا سيدي ليست مرتبطة بي أنا أو بتصرفاتي أو ضحدي لقانونكم المحترم ، لم أتعدى على الملكية العمومية ولم أقذف أحدا لا من المسؤولين ولغيرهم  بكلام فاحش ،ولم أشر بأصابع الاتهام لأحد ما ، تهمتي سيدي هو أنني حصلت على الشهادة العليا في حقبة أصابها طاعون الأزمة الاقتصادية ، ووالله ليس لي دخل في هذا أبدا ، أنا يا سيدي لم أستدع ذلك الطاعون ليصيب اقتصادكم أبدا والله  حتى أني لم أتمناها سرا له ،كل ما كنت أتمناه  حين أشاهد نشرات الأخبار أن أحصل على وظيفة من تلك المشاريع التي تعرضوها علينا كل ليلة قصدا ،  فهل أحرم على نفسي مشاهدة نشرات الأخبار ، أم أقطع حبال التمني ، سيدي القاضي لم يسبق لي أن قلت ولو كلمة مخلة بالحياء أو بعيدة عن منظومة الأخلاق ، لكن سيدي عذرا ، فتهمتكم هذه ، تهمة غبية"



0 التعليقات:

إرسال تعليق