الأربعاء، 25 أبريل 2012

ليس معرضا لأفكار المتهورين

جمعت أوراقها المتناثرة على الأرض ، ووجهت اليه نظرة عتاب ، صوبت عينيها نحو الباب وهي تنظر الى الأمس بعين ساخطة، هي الطموحة التي لم تخضع لمرارة الفشل قط ، لكن اليأس بدأ يتسلل الى أفكارها من تحت باب مكتبه، قبل أن تأذن لها الكاتبة بالدخول .

راقها حلم التغيير منذ طفولتها ، بالضبط حين استهزأ  الاستاذ بجوابها الذي اعتبرته منطقيا ،في حين تعالت قهقهات التلاميذ رفقة الاستاذ سخرية من غباوتها ، كما يزعمون، ولّد ذلك الحدث  طموحا  في تغيير طرق التعليم ببلادها ، وخلْق جيل فريد مبدع يتلقى التعليم بأحسن الطرق ، رافقها الحلم الى الجامعة حيث  ساهمت مع مجموعة من الطلبة في تحسين مستوى التعليم ،أبدعوا واجتهدوا لتحقيق الحلم الذي راودها ، بعد ذلك التحقت بالمدرسة العليا للأساتذة ،استشعرت لذة الانتصار على الاستاذ الذي أهانها يوما ،وقررت أن تخلص في الوظيفة الشريفة التي ستمهنها في الاسبوع القادم ، ليلة أمس ،أخذت أوراقا كثيرا ، وبدأت ترسم برنامجها السنوي ،والطرق التي ستتبناها لتحبب أخذ العلم لطلابها ،أو أصدقاءها، كما تقول .سهرت طول الليل وهي تكتب البرنامج ، تبدع و تلقي الدرس والمحاضرة كمجنونة لم تأخذ مسكن النوم ، أو كعجوز تخترع الشخصيات لتؤنس وحدتها ، مضى الثلت الأول من الليل ، ثم الثاني فالثالت ، انتهى مداد القلم و انتهت من كتابتها ، رفع اذان الفجر ، صلت صلاتها ، و بدأت تستعد لمقابلة مدير المؤسسة التي أرسلتها الأقدار اليها .

ارتدت الطريق وهي تردد "رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني  يفقهو قولي " ، هكذا ، مضت بخطوات مسرعة  ، فقد ان الاوان لتحقيق الحلم والتحليق في سماء النجاح ، هاهو باب المؤسسة يلوح لها ، ألقت السلام على حارس المبنى ودخلت متوجهة الى الادارة ، استأذنت  في مقابلة المدير ، بعد لحضات فُتح لها الباب ، خفق قلبها ، ورددت : هل ان الأوان  لتحقيق الحلم ؟ هل سأساهم في تغيير مستوى التعليم  ببلادنا ؟ عضّت  نواجدها وقمعت ترددها ودخلت مبتسمة  ، حيته بتحية الاسلام ، و جلست بعدما أذن لها بذلك ،ثم بادرت في الحديث:

أستاذي أنا أستاذة الفيزياء الجديدة ، حديثة العهد بالتخرج ، رافقني حلم التعليم منذ طفولتي لكن بطرق تختلف عن تلك التي تلقيته بها أنا ، أستاذي جل التلاميذ يخافون من مادة الفيزياء و يعتبرونها العقبة الكبرى في حياتهم التعليمية ، و لا أخفيك سرا أني اتهمت جارنا بالحمق حين كنت صغيرة حينما اختار شعبة الفيزياء في التعليم العالي ، لكن ما ان دخلت عالم الفيزياء الا و اتضحت لي مجموعة من الأمور ،عرفت يا أستاذي أن تلك المادة الغول ما هي الا تفسير لمجموعة من الظواهر تفسيرا علميا منطقيا ، هي الرياضيات الملموس ، فمثلا دائما تسقط الفاكهة من الشجرة وهذا أمر بديهي عند كل البشر وأنا منهم، لكن الفيزياء لا تفسره بالأمر العادي، انما قالت أن هناك ظاهرة تحكمها علاقات رياضية ..... وقس على ذلك ،  الطلاب والتلاميذ لا يتذوقون حلاوتها لان الاستاذ لا يحاول أن يربط لهم المادة بالواقع بل يتقيأ عليهم الدرس كما خُط في الكتاب ، وحين اطلعت على المنهج الدراسي الذي تفرضه وزارة التربية الوطنية وجدت فيه تناقضا ، فهم يقترحون أنشطة بأجهزة لا تتوفر حتى في مختبرات الكليات فماذا بالثانويات ، لكن تبقى التجربة هي الدرس فكما قالوا " قل لي و سأنسى أرني لعلي أتذكر شاركني أفهم " . كما اني اكتشفت مجموعة من الاخطاء المنهجية وأيضا ترتيب الدروس ، ففي نظري يجب أن يدرس التلميذ الظواهر الطبيعية فيزيائيا وبعد ذلك ننتقل للاختراعات ، على أي  لقد وضعت في البرنامج السنوي كل التفاصيل التي سأتبعها ان شاء الله لتعليم الاسس الفيزيائية لطلابي . كما أقترح أستاذي خلق ورشات خارج حصة الدرس بحيث يستفيد الطلاب من التطبيقي و النظري  ، وأنا أقترح أن ننشأ النادي العلمي حيث نهيأ مجموعة من التجارب والانشطة التي سيستفيد منها التلامذة ان شاء الله وقد درست كل متطلبات النادي وحتى التمويل فقد استقبلت جمعية الابداع العلمي الفكرة باستحسان ووعدني أمينها العام بالتغطية المالية للنادي ، و ستجد تفاصيل الأنشطة التي سيقدمها النادي و الورشات وأيضا اللوازم الضرورية لتجهيزه ، كل ذلك ستجده رفقة البرنامج السنوي ، كما أقترح مسابقات تحفيزية  تهتم بهذه المادة وعلماءها ، أقترح أن ننظمها كل شهر وقد درستأيضا التغطية المالية لكلفتها  ، كما ..................... هنا قاطعها المدير : أرني البرنامج السنوي...... خفق قلبها ,,,,,و ارتعشت يدها

 بعد أن ناولته الاوراق طرحها أرضا وصرخ في وجهها :

 هذا مبنى حكومي وليس معرضا لأفكار المتهورين

2 التعليقات:

  1. أعجبني أسلوبك في السرد خصوصاً ذاك المقطع الأول المستبق للاحداث .. كنت أقرأ و كأني أشاهد فيلماً درامياً جعلني اعيش مع البطلة !
    مستوى جميل و أتمنى لك المزيد والأفضل في المستقبل ... أو الافضل ان أقول .. أتمنى الافضل لهذا الوطن و لعقول هذا الوطن ;)

    ردحذف
  2. والساقي في المدونة الحمقاء " يا مرحبا يا مرحبا ، نحب الوطن
    مسرورة جدا جدا جدا بكلماتك الرائعة ، اتمنى أن نكون كذلك باركك الرحمان يا بطل

    ردحذف